حكم ذكر السيادة لسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم فى الاذان والصلاة

12:35 PM


فضيلة الإمام العلامة أ.د. على جمعة (مفتي الديار المصرية)



ما حكم ذكر السيادة لسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم فى الاذان والصلاة ؟ وكيف يتفق ذلك مع ما يقال من ان جملة "اشهد ان محمدا رسول الله" هي خطاب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم فى ليلة المعراج مما يقتضى عدم ذكر السيادة فى التشهد؟



الجواب : سيدنا محمد صلى الله عليه و سلمهو جوهرة النفوس و تاج الرؤوس و سيد ولد ادم اجمعين و لا يدخل الانسان داءرة الايمان الا بحبه و تعظيمه وتوقيره و الشهادة برسالته فهو احد ركني الشهادتين اذ لا يقبل الله تعالى من احد الوحدانية حتى يشفعها بانه صلى الله عليه و سلم رسوله الى العالمين



وقد علمنا الله تعالى الاداب مع سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم حين خاطب جميع النبيين باسماءهم اما هو فلم يخاطبه باسمه مجردا بل قال له "يايهاالنبي" (الانفال : 64) و "يايهاالرسول (الماءدة : 41) , و امرنا بالاداب معه و توقيره , فقال ((: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ⃝ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)) ( الفتح : 8&9) و من توقيرتسويده كما قال قتادة و السدي ( و توقروه) "القتح : 9 " و تسودوه , ونهانا عن التقديم بين يدي الله و رسوله صلى الله عليه و سلم , وحذرنا من رفع الصوت على صوته الشريف صلى الله عليه و سلم , أو الجهر له بالقول , فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ⃝ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ⃝ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (الحجرات : 1-3) و نهانا أن نخاطبه صلى الله عليه و سلم كما يخاطب بعضنا بعضًا , فقال تعالى : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً ( النور : 63) , فكان حقًا علينا أن نمتثل لأمر الله , و أن نتعلم مع حب رسول الله صلى الله عليه و سلم الأداب معه , ومن الأداب أن نسوده كلما ذكر , و أن نصلي عليه كلما ذكر , وأن لا نخاطبه باسمه مجردا عن الإجلال و التبجيل



وقد أجمعت الأمة على استحباب إقتران اسمه الشريف صلى الله عليه و سلم بالسيادة في غير الألفاظ الواردة المتعبد بها من قبل الشرع. اما بالنسبة للوارد فمذهب كثير من المحققين وهو المعتمد عند الشاقعية حيث نص عليه الجلالان : المحلي و السيوطي , و الشيخان : ابن حجر و الرملي , و عند الحنفية كما فال الحلبي و الطحطاوي و بعض المالكية أنه يستحب اقتران الاسم الشريف بالسيادة أيضًا في الأذان و الإقامة والصلاة بناءً على أن الأداب مقدم على الاتباع ,كما ظهر ذلك في موقف سيدنا على رضي الله عنه في صلح الحديبية حيث رفض أن يمحو كلمة " رسول الله " عندما أمره النبي صلى الله عليه و سلم بمحوها تقديمًا للأدب على الاتباع ,و ظهر ذلك ايضًا في تقتهر سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الصلاة بعد أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم له بأن يبقي مكانه , و قال له بعد الصلاة : (( ما كان لإبن أبي قحافة ان يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم )) , وكذلك فعل سيدنا عثمان رضي الله عنه حيث أخر الطواف لما دخل مكة في قضية صلح الحديبية مع علمه بوجوب الطواف على من دخل مكة , أدبًا معه عليه الصلاة و السلام أن يطوف قبله , وقال : (( ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه و سلم ))



قال العلامة الجلال المحلي : (( الأدب مع من ذكر مطلوب شرعًا بذكر السيد )) , ففي حديث الصحيحين : ((قوموا الى سيد كم )) , أي سعد بن معاذ , و سيادته بالعلم و الدين , و قول المصلي : (( اللهم صلي على سيدنا محمد )) فيه الإتيان بما أمرنا به ,و زيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب ,فهو أفضل من تركه فيما يظهر من الحديث السابق , وإن تردد في أفضليته الشيخ جمال الدين الإسنوي , و اما حديث (( لا تسيدني في الصلاة )) فباطل لا أصل له كما قاله بعض متأخري الحفاظ



و سأل الحافظ الجلال السيوطي عن هذا الحديث , فأجاب بأنه لم يرد ذلك , قال : (( و انما لم يتلفظ صلى الله عليه و سلم بلفظ السيادة حين تعليمهم كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم , لكراهيته الفخر )) , و لهذا قال : (( انا سيد ولد أدم ولا فخر )) و اما نحن فيجب علينا تعظيمه و توقيره , و لهذا نهانا الله تعالى أن نناديه صلى الله عليه و سلم بإسمه فقال : {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا } (النور : 63) وفي " مفتاح الفلاح" للإمام العارف بالله ابن عطاءالله السكندري : ((واياك أن تترك لفظ السيادة , ففيها سر يظهر لمن لازم هذه العبادة))



بينما يري فريق اخر من العلماء الإقتصار في الألفاظ المتعبد بها على ما ورد إتباعًا للفظ و فرارًا من الزيادة فيه



وقد ألف العلامة الحافظ أحمد بن الصديق الغماري الحسني رحمه الله في هذه المسألة كتابًا حافلًا مانعًا سماه "تشنيف الاذان بأدلة استحباب السيادة عند ذكر اسمه صلى الله عليه و سلم في الصلاة والاقامة و الأذان " جمع فيه كل ما يتعلق باستحباب ذكر الاسم الشريف مقترنًا بالسيادة مقررًا أنه لا تنافي بين الأدب و الاتباع لأن في السيادة اتباعًا للأمر بتوقيره صلى الله عليه و سلم و النهي عن مخاطبته كما يخاطب الناس بعضهم بعضًا. وإزاء هذا الخلاف فإننا نرى الأمر فيه واسعًا و ليس لفريق أن ينكر على الاخر في الأمور الخلافية التي وسع من قبلنا الخلاف فيها , والتنازع من أجل ذلك لا يرضاه الله تعالى و لارسوله صلى الله عليه و سلم و ليس ذكره صلى الله عليه و سلم في الأذان والإقامة و التشهد مقترنًا بالسيادة مخالفًا للشرع بل فاعل ذلك محمود و مثاب على فعله هذا , و نحن أحوج إلى حب رسول الله صلى الله عليه و سلمفي هذا العصر من أي وقت اخر.فنحن في عصرتموج فيه الأراء و تختلف المشارب و كثرت الفتن في الظاهر و الباطنو ليس من نجاة من كل ذلك الا بحب سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم , نعلمه أبناءنا و ندعو إليه غيرنا و نبقي عليه الى أن نلقى الله سبحانه فيشفعه فينا و يدخلنا الجنة من غير حساب و لا سابقة عقاب و لا عتاب ,امين



و أما بالنسبة لما يذكر من أن التشهد خطاب من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه و سلم فإن هذا أمر ذوقي هو إلى الحكمة أقربمنه الى العلة , والأحكام الشرعية منوطة بالأسباب و العلل , لا بالأذواق والحكم , فإن المصلي إنما يقول التسهد على جهة الإنشاء من نفسه , محييا الله تعالى و مسلمًا على نبيه صلى الله عليه و سلم ثم على نفسه و على عباد الله الصالحين و شاهدًا بوحدانيته الله تعالى و رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و لا يقصد بتشهده الإخبار و الحكاية عما وقع في معراجه الشريف صلى الله عليه و سلم من خطابه لربه سبحانه , وخطاب ربه له صلى الله عليه و سلم , وهذا المعنى الإنشائي يقتضي من المصلي تسويده أيضًا عليه الصلاة والسلام في الشهادة له بالرسالة عند من استحب تسويده من العلماء مع ملاحظة أن ذلك كله على سبيل الندب و الاستحباب,لا على سبيل الحتم و الإجاب



أخذ من "فتاوى البيت المسلم" صفحة 29-32 لفضيلة الإمام العلامة أ.د. على جمعة (مفتي الديار المصرية) , دار الإماما لشاطبي

You Might Also Like

0 komentar

Popular Posts

Like us on Facebook

Flickr Images